مقابلة شيّقة مع الأسطورة صباح!
في فندق “كومفورت” – الحازمية، استقبلتنا الشحرورة صباح بثوب أسود قصير وشعر أشقر ما زال يتدلّى على كتفيها، وبوجه مبتسم زادته السنوات تألقاً وتوهّجاً. لا يمكن أن تكون في حضرة الصبوحة إلاّ وتشعر بسعادة كبيرة، فاللواتي مثلها يزرعن الفرح في القلوب والنفوس أينما وجدن. ساعتان أمضيناهما مع “حلوة لبنان” لم تخل من الضحك لما تتمتّع به من خفّة ظلّ، فكان حديث أبحرنا به داخل عالمها المليء بالحكايات والذكريات والعِبر والتجارب جعلتنا نلمس كم هي طبيعية ومتصالحة مع نفسها وراقية في مجلسها ومنطقها ولا نخفي عليكم أنّنا دهشنا من مدى قوّة ذاكرتها وأدركتنا عندها أنّ العمر لم يستطع أن يقهرها. وكان حاضراً معنا خلال اللقاء، إبنة شقيقتها السيّدة كلودا عقل “لمياء”، زوجة ابنها صباح وابنة شقيقتها “نجاة” الفنانة جانين فغالي وزوجها المصري أحمد عمرو… وكم تمنّينا لو توقّف الزمن ونحن بقرب الأسطورة.
على المسؤولين أن يهتمّوا بالفنّانين ويحمونهم من شرّ العوَز!
صبوحة، منذ ثلاث شهور تقريبًا احتفلنا مع بعض بعيد ميلادك الـ 83 أطال الله بعمرك، ماذا تمنّيت في هذا النهار المميّز بالنسبة إلينا، وإلى كلّ محبّيك في كل أصقاع العالم؟
تمنّيت أن يظلّ لبنان عامراً بشعبه “اللّي ما في متلو”، فالشعب اللبناني فريد من نوعه ويتميّز عن باقي الشعوب بذكائه وحضوره وحبّه للحياة وأناقته وعزيمته وإصراره على المضي قُدماً لتحقيق أهدافه مهما كانت الصعوبات، كما تمنّيت أن ينظر المسؤولين إلى حال الفنانين اللبنانيين والاهتمام بهم بما يضمن لهم حياة كريمة تقيهم شرّ العوَز خصوصاً في شيخوختهم وذلك عن طريق تأمين مخصّصات لهم وضمانات.
نحن دائماً وأبداً نتمنّى لكِ العمر المديد لكن تؤلمينا حين تقولين أكثر من مرّة أنّك تعبتِ من الحياة وحان وقت الرحيل رغم أنّ الحياة تليق بأمثالك…
(تبتسم وتتابع): صحيح، لقد قُلت ذلك أكثر من مرّة إذ أشعر أنّني عِشتُ كثيراً وقمتُ بكلّ ما في نفس أيّ امرأة أن تفعله، لذلك إن رحلتُ أكون مرتاحة جداً وسعيدة. بدون شكّ أنّ الحياة رائعة و”كلّ واحد بعيش على قدّ ما بيلبقلو”.. لكن أحياناً أشعر أنّه عليّ الذهاب وأقول لنفسي: “بيكفي هلقدّ يا صباح، صار لازم تفلّي”! رغم كلّ ذلك، أحمد الله دائماً على أن علامات التقدّم في السنّ والزمن لم تؤثّر على عقلي الذي ما زال يتذكّر كلّ خطوة وكلّ مشهد وكلّ ذكرى! وبوجود أقاربي ومحبّيني بقربي ومعي يعطيني ثقة كبيرة بالنفس، وأشعر أنّه لا ينقصني شيء.
أنتِ لا تخجلين الإعتراف بعمرك في حين معظم النساء يتحفظنّ عن ذلك؟
أعتبر ذلك سخافة، “ليه الواحدة بدّا تستحي بعمرا؟” فالأعمار مجرّد أرقام وطالما المرأة متصالحة مع ذاتها وروحها حلوة، ستجد نفسها صغيرة وجميلة مهما بلغت من العمر عتباً. فالجمال الداخلي ينعكس إشراقاً وتوهّجاً على الشكل الخارجي. صحيح أنّني بلغت سنّ الـ 83، إلاّ أنّني كلّما نظرت في المرآة، أجد نفسي “بنت 20” (تبتسم).
كارول سماحة صوتها رائع وهي الأصلح لتجسيد شخصيتي!
لقد باشر فؤاد شفيق منذ فترة قريبة تصوير حلقات مسلسل “الشحرورة” الذي يتناول سيرة حياتك عن نصّ لفداء الشندويلي، هل أنتِ راضية عن اختيار الفنانة كارول سماحة لأداء شخصيّتك فيه؟
المنتج الأستاذ صادق الصباح طرح عليّ العديد من الأسماء ومن ضمنهم كارول سماحة وأنا وافقت عليها. فكارول ممثلة متمكنة وصاحبة صوت رائع وبإعتقادي هي أصلح من يلعب الدور.
لكن كُثر انتقدوا اختيار كارول واعتبروا أنّها لا تشبهك إطلاقاً سواء من ناحية الشكل أم الهويّة الفنيّة؟
الماكياج والشعر الأشقر سيجعلانها تشبهني إلى حدّ كبير.
ياما انحرجت وتعذّبت!
هل ستكشفين الكثير من الأسرار في المسلسل؟
سأكشف بعض الأسرار وليس جميعها لأنّ بعضها يجرح ويعرّي الكثير من الناس الذين مرّوا في حياتي، وأنا لا أحبّ أن أُجرّح بأحد، يكفي “إنّو أنا ياما انحرجت وتعذّبت”.
إبنة شقيقتك السيّدة جانين فغالي قرّرت احتراف الفنّ مؤخراً، هل تشعرين أنّ هذه الخطوة جاءت متأخرة؟
إطلاقاً، “جانو بعدا حلوة” ففي الولايات المتحدّة الأميركية هناك نساء فوق السبعين يُغنّينَ ويَرقُصنَ وأكبر دليل “سوزان بويل” التي شاركت في برنامج American Idol وحقّقت نجاحاً منقطع النظير رغم أنّ عمرها تجاوز الخمسين. الفنّ ليس له عمر وهويّة ولا دين، فالأهمّ هي الموهبة وجانين موهوبة وصاحبة صوت جميلاً جداً وأنا أطرب لها وأتوقّع لها مستقبلاً باهراً.
ما النصيحة التي توجّهينها إلى جانين التي تخطو خطواتها على درب الفنّ المليء بالأشواك والصعاب والمطبّات؟
دائماً أقول لها “طنّشي على كلّ شيء حتى تقرّري تكملي بمجال الفنّ”.
كلّ أزواجي استغلّوني وغاروا منّي ما عدا جو حمّود ورشدي أباظة!
تقولين إنّك لم تكوني موهوبة زواج وكنت تملّين الرجل الذي معك سريعاً…
“مظبوط”، فأنا امرأة لست صالحة للزواج لأنّني أحبّ فنّي كثيراً وبإعتقادي لا لقاء بين الفنّ والمسؤوليات الزوجية. معظم أزواجي كانوا يغارون منّي وعليّ وأنا “ما بطيق الغيرة” والقيود، بحبّ ضلّ عصفور طاير بحريّة لا يحدّه حدود”، لذا كنت أفترق عنهم بالحسنى.
لطالما ردّدتِ على مسامع الجميع أنّ زينة رجالك هو الممثل الراحل رشدي أباظة…
بالفعل، فهو “كان لبقلي كتير” وإنسان لذيذ وجنتلمان و”مش طمّاع” أحبّني لذاتي ولشخصي عكس غيره حتى أنّه بعد انفصالنا لغاية آخر يوم من حياته، ظلّ يرسل لي يومياً باقة ورد حمراء تعبيراً عن حبّه لي. لا يمكن أن أنساه أبداً لدرجة أنّني كلّما شاهدت فيلماً له على الشاشة لغاية يومنا هذا، تدمع عيناي وأتمنّى لو أنّه ما زال على قيد الحياة.
باقي أزواجك استغلّوكِ؟
نعم جميعهم أحبّوا شهرتي ومالي باستثناء النائب الراحل جو حمّود. فهو كان إنساناً كريماً و”بعمرو ما طلب منّي شي” وأحبّني حبّاً غير طبيعي لدرجة أنّه كان كلّما التقينا في مناسبة معيّنة يقول لي: “ما بشيلِك من قلبي لحدّ ما موت”.
إنتِ بدورك “مين ما بتشيلي من قلبك لحدّ ما تموتي” من أزواجك؟
لا أحقد على أحد منهم ودائماً أذكرهم بالخير، فأترحّم على الأموات منهم وأتمنّى العمر المديد للأحياء.
الزواج أبشع شيء في الدنيا ولو عاد الزمان لما تزوّجت!
لو عاد بك الزمن إلى الوراء، ماذا كنتِ غيّرت في حياتك؟
ما كنت تزوّجت إطلاقاً، أبشع شي بالدني الزواج، ربّما لأنّني تعذّبت وعانيت كثيراً من قسوة الرجل عليّ.
عمّا كنتِ تبحثين في الرجل؟
كنت أبحث عن الكرم، المحبّة والصدق، لكن للأسف لم أجد أي من هذه الصفات الثلاث مجتمعة في الرجال الذين ارتبطت بهم.
الرئيس المرحوم رشيد كرامي طلبني للزواج فقُلتُ له: لا أُحبّ السياسة!
هل صحيح أنّ الرئيس الراحل رشيد كرامي طلب يدك للزواج؟
(تبتسم) حصل ذلك بالفعل لكنّني قلت له أنّني لا أحبّ السياسة والسجن بين أربعة جدران. رغم ذلك ربطتنا صداقة وطيدة واحترام متبادل، كما أنّ رئيس الوزراء المصري مصطفى خليل كان “يعزّني كتير”.
أُحبّ لقب الأسطورة!
أُطلِقت عليك ألقاب عديدة، ما أحبّها إلى قلبك؟
لقب “الأسطورة” (تضحك).
هل تشعرين أنّك أخذتِ قيمتك كفنانة في لبنان؟
كفنانة نعم لكن من ناحية الرعاية والاهتمام والعناية كلا، فأنا صريحة ولا أعرف كيف أكذب.
علامَ تترحّمين اليوم؟
أترحّم على أيّام زمان الحلوة، وقديش كنت سافر وروح وإجي” لكن ما يعزّيني أنّ الناس ما زالوا يحبّونني حتى أكثر من السابق “مع إنّو ما كنت بتصوّر إنّو بوصل لهل عمر والناس تضلّ تحبّني وتتذكّرني”.
معظم فنّاني اليوم يفتقرون إلى الرقيّ ويعتمدون الشتائم!
بماذا كان يتميّز جيلك عن جيل اليوم من الفنانين؟
كانوا يتمتّعون بالرقيّ في التعامل مع الآخرين وهذا ما يفتقره معظم فنّاني اليوم، كما أنّهم “إذا في حال غاروا من بعضهم البعض، كانوا يغاروا “بعقل” وليس بأسلوب الشتائم الذي يعتمده الفنانون حالياً عبر الصحف والمجلاّت.
أَحبّ أفلام إلى قلبي “ليلة بكى فيها القمر”!
علمنا أنّك لا تشاهدين أفلامك القديمة التي تكرّر على القنوات الفضائية، هل لأنّك تغارين من متابعة صباح في عزّ شبابها؟
بالعكس لأنّني بكل بساطة “شبعانة من صباح” وأكثر فيلم أحبّه هو “ليلة بكى فيها القمر” الذي أخرجه المبدع أحمد يحيى وأحرص على مشاهدته كلّما عُرض.
عندما تتابعين نفسك عبر أفلامك المختلفة، ماذا تقولين بينك وبين نفسك؟
أقول أنّ شكلي ما زال مقبولاً ومعقولاً مقارنة مع أيّام الصبا. فأنا لغاية الآن أهتمّ بأناقتي وباعتباري فنانة، يجب أن أكون مثالاً وقدوة لكلّ سيّدة.
بماذا تتميّز صباح عن غيرها من الفنانات؟
صباح “كثير بحالها، طوال عمرها لم تؤذِ أحداً وواثقة من نفسها جداً” وهذا ما ميّزها عن غيرها.
هل تمنّيتِ يوماً لو لم تدخلي مجال الفن؟
نعم، لو ما دخلت الفن “كان أريح لي، الفن بيعذّب كتير وشتّت حياتي”.
تقولين إنّك جنيتِ على إبنتك هويدا…
طبعاً، فالفن أخذني منها وأهملتها غصباً عنّي بحكم كثرة أسفاري، وظروف عملي لم تسمح لي بإعطائها الوقت اللازم والحنان الكافي كأمّ وهي بدورها تزوّجت أحدهم وهو “خربلا ونزعلا حياتها”. رغم ذلك، هويدا حبيبة قلبي ونقطة ضعفي.
حوار: إيلي باسيل
تصوير: ابراهيم حيدر