“فاتت سنة” وأكثر على غياب المطربة الكبيرة ميادة الحنّاوي عن تقديم أي ألبوم غنائي تتحفنا فيه كما كانت تفعل دائماً على مدار عقود طويلة، وهي التي استطاعت أن تطوّع موهبتها الفذّة لتتلاءم مع المتغيّرات التي طرأت على ساحة الأغنية العربية.
لطالما احلو عمرنا وعمر غيرنا من محبّي فنّها المنتشرين في كل أصقاع العالم مع كل أغنية شدت بها، وجميعنا “حبّينا واتحبّينا” على وقع أعمالها التي كلّما مرّت عليها السنوات زادت قيمة وأصالة، وباتت “دوا عيني” في ظلّ وجود أغنيات اليوم التي اختلط فيها الحابل بالنابل.
ميادة الحنّاوي، إحدى نجمات زمن الفن الجميل ومطربة الجيل، استطاعت بفضل موهبتها الفذّة أن تكون إحدى العلامات الفارقة في تاريخ الأغنية العربية حتى أضحت مدرسة قائمة بذاتها، وهي التي زادتها السنوات بريقاً وسحراً وجاذبية.
وفي حوارنا معها خضنا في تفاصيل فنيّة وحياتية عديدة لكن ظلّ عندنا كلام وأسئلة كثيرة نودّ أن نطرحها عليها لأن الحديث مع فنانة بقيمتها متعة كبرى:

بعض الفنانين رفضوا مشاركتي أوبريت “القدس” بدون مقابل… وهذا معيب!

شاركت مؤخراً في أوبريت القدس مع مجموعة من الفنانين، أخبرينا عن هذه التجربة…

كانت من التجارب الرائعة التي قدّمت في دار الأوبرا إذ شاركني فيها كبار الفنانين من ضمنهم صباح فخري، لطفي بوشناق وسعدون جابر. لطالما كان حلمي الغناء لفلسطين والحمدلله تحقّق هذا الحلم مع هذه التوليفة المميّزة من الفنانين العظماء لا سيما الشاعر رامي اليوسف والملحن نصير شمّة اللذان بأناملهما الذهبيّة سطّرا عملاً لاقى استحسان وإعجاب الجمهور، وأنا راضية كل الرضى عن هذا العمل الذي أضاف إلي الكثير، وآمل في المستقبل القريب أن أقدّم أغنية طويلة بمفردي لفلسطين الحبيبة المجروحة عربون محبّة ووفاء.

هل كان لديك اعتراض على الأصوات التي شاركت بالأوبريت؟
إطلاقاً، فأنا من اخترت هذه الأصوات، وهناك بعض الفنانين الذين كنت أرغب بأن يشاركوني الغناء في هذا العمل العظيم إلاّ أنهم رفضوا واعتذروا وأقفلوا هواتفهم النقالة عندما علموا أن مشاركتهم ستكون مجانية، وأوّل سؤال كانوا يطرحونه هو كم سيكون المبلغ الذي سنتقاضاه لقاء غنائنا في هذا الأوبريت؟ فمجرّد أن نقدّم أغنية وطنية سواء لفلسطين أم للعراق هو شرف وفخر لأي فنان أكان مبتدئاً أم مخضرماً. وأقل شيء يمكن أن نقدّمه كفنانين لهذين البلدين العربيين اللذين يعانيان القهر والظلم والقتل والدمار هو صوتنا، لكن المؤسف أنه بدل أن يتضامن معظم الفنانين لتقديم هذا الأوبريت فإذ بهم يسألون عن مقابل وهذا من الأمور المعيبة حقاً. هناك فنانون كنت أحترمهم وأقدّرهم إلا أنني صدمت بتصرفهم بهذا الشكل تجاه هذا العمل، فالفنان الحقيقي يجب أن يكون لديه موقف ومبدأ.

وردة تاريخ وإنسانة عظيمة ولن أجرّح بها في فيلمي الوثائقي!
علمنا أن هناك فيلماً وثائقياً عنك سيقوم بتأليفه الكاتب أحمد بوبس…
نعم هذا صحيح، وسيعرض هذا الفيلم المحطّات الحلوة و”المهضومة” في مسيرتي الفنية وتجاربي مع عظماء الفن مثل محمد عبد الوهاب، رياض السنباطي، بليغ حمدي، سيّد مكاوي، محمد الموجي، عمار الشريعي، صلاح الشرنوبي وغيرهم. لن يكون هناك أسرار تكشف للمرة الأولى كما يتوقّع البعض إنّما تسليط الضوء على مواقف حلوة ومرة عشتها منذ احترافي الغناء لغاية يومنا هذا.

لكن قيل إنك ستكشفين في هذا العمل المؤامرة التي دُبّرت لك من قبل الفنانة وردة الجزائرية بمشاركة نهلة القدسي زوجة الموسيقار محمد عبد الوهاب والتي بموجبها منعت من دخول مصر؟
كلا، وردة تاريخ وإنسانة عظيمة وهي إحدى عظماء الفن العربي، وأنا أكنّ لها كل الحبّ والإحترام والتقدير، لذا لا يمكنني أن أجرّح فيها وأقول عنها أي كلام، لكنني سأقول ما حصل معي بشكل منمّق وراقٍ.

نلاحظ أنّك لا تمانعين في تقديم قصّة حياتك وعرضها على الملأ في حين تُعارض معظم الفنانات هذا الأمر؟
ولِما أُعارض وأُمانع؟ “أنا حياتي ما فيها شي غلط” بل مليئة بالأحداث الجميلة والعذبة وزاخرة بالذكريات التي ما زلتُ أعيش عليها لغاية يومنا هذا. فمن يقول إنّ حياته ليست للعرض بالتأكيد يكون فيها أمور معيبة ومخزية. ليس هناك أجمل من أن يُشرك الفنان جمهوره ومحبّيه بتفاصيل وجوانب معيّنة من حياته وعُصارة خبرته وتجربته وحكاياه مع كل النجوم الكبار الذين قابلهم وتعامل معهم خلال مسيرته الفنيّة الطويلة.

لماذا تعرّضت لكلّ هذه المحاربات منذ بداياتك؟ بماذا كنت تشكلين خطراً على غيرك من الفنانات، بنظرك؟
لا أدري، ربما صوتي وشكلي أثارا حفيظة البعض فاعتبروا أني دخلت الفن لأنافسهم أو لأتحادهم، لا توجد فنانة تعرّضت لقدر من المحاربات التي تلقيتها منذ دخولي مجال الفن.
أنا حفرت في الصخر وناضلت وكافحت لأثبت نفسي ولأصل إلى ما أنا عليه اليوم، فكنت أسافر إلى اليونان وأتكبّد كل المشقات لتسجيل أغنياتي يوم كنت ممنوعة من دخول مصر. رغم ذلك، كل هذه الهجمات والمحاربات عزّزت لي ثقتي بنفسي وبموهبتي وبقدراتي وجعلتني مثابرة ومنحتني القوة حتى أضحيت، بكل تواضع مدرسة في الفن يحتذى بها.

أحببت بليغ حمدي كإنسان وفنان وصديق… ولم نفكّر بالإرتباط!
هل كل ما غنيته طوال مشوارك الفني كان يعبّر عنك وعن تجارب شخصيّة عشتها؟
جميع أغنياتي فيها شيء منّي وتشبه شخصيتي سواء في الكبرياء أم العشق أو الإخلاص، فأنا عندما أحبّ لا أخجل من أن أقول لحبيبي “سيدي أنا” أو “أنا بعشقك”، فذلك لا ينتقص من ذاتي وأنوثتي كإمرأة مثلما تعتقد معظم فتيات اليوم. بإختصار، أغنياتي تعبّر عن ميادة الحنّاوي الإنسانة.

قيل إن قصّة حبّ جمعتك بالراحل الكبير بليغ حمدي كادت تصل إلى حدّ الإرتباط، ما صحة هذا الموضوع؟
كلا، حتى أننا لم نلمّح أو نتطرّق إلى هذا الموضوع يوماً، فأنا أحببت بليغ كإنسان وصديق وفنان عظيم وهو أيضاً بادلني الشعور نفسه. فأنا الوحيدة التي كتب لها أغنيتين وهما “أنا بعشقك” و”كان يا ما كان”، كل ما كان يجمعنا هو التقدير والودّ والإحترام المتبادل.
ليته ما زال على قيد الحياة، لكان الفن بألف خير ولما كانت تدنّت الموسيقى إلى هذه الدرجة التي وصلت إليها اليوم. وتتابع: أنا على أتمّ الإستعداد لغناء تتر مسلسل “مداح القمر” الذي يتمّ الإعداد له عن حياة بليغ حمدي من دون مقابل وحتى تجسيد شخصيتي فيه.

مسلسل “أسمهان” غير لائق والحقّ على السيناريست وليس على سلاف فواخرجي!
هذا يعني أنّ فكرة التمثيل واردة لديك؟

حياتي مع بليغ ليست من السهل على أحد أن يُجسّدها. فهناك أشياء وتفاصيل صغيرة لا يستطيع أحد تأديتها لأني أنا التي عشتها وعايشتها، وبالتالي أي ممثّلة لن تنقلها بدقّة وصدقية وواقعية مثلما أفعل أنا. فمعظم الأعمال التي تناولت السير الذاتية قامت بتشويه الشخصيات التي قدّمتها، لذا أحبّ أن أجسّد شخصيتي بنفسي.

هل هذا يدلّ على أنّك لم تعجبي بأداء سلاف فواخرجي في مسلسل “أسمهان”؟
سلاف كانت رائعة في أدائها للشخصية وأنا “بموت فيها” كإنسانة وفنانة لكن السيناريو “ما كان حلو” لأنه أظهر العظيمة أسمهان بقالب غير لائق وبصورة مبالغ فيها بدل من أن يسلّطوا الضوء على المنحى الإنساني الجميل في شخصيتها، لذا ألقي اللوم على السيناريست.

لماذا اخترت شهد برمدا، نانسي زعبلاوي والشاب بيان تحديداً لأداء أغنياتك يوم كُرّمتِ في دار الأوبرا بدمشق؟
لأنّ أصواتهم من الأصوات الجميلة جداً وأنا أحببت أن أمنحهم هذه الفرصة وأن أمدّ لهم يد العون لأن موهبتهم الفذّة تستحقّ. فهم شدوا أغنياتي بأرقى وأروع أداء وأنا أتوقّع لهم مستقبلاً باهراً. فما أجمل أن يساعد الفنان المخضرم كل مبتدئ ويأخذ بيده لأنّه في يوم من الأيام كان هو أيضاً في أمسّ الحاجة لمن يمنحه فرصة ويوليه إهتماماً، لكن للأسف ما زال هناك بعض الفنانين الأنانيّين الذين لا يساعدون الآخرين لدرجة أنّهم يرفضون أن يغنّي أحد أعمالهم.

أنتِ في صدد تحضير أكثر من ألبوم غنائي مع شركة “عالم الفن”، ماذا عنها؟
الألبومات ستتضمّن أغاني طربية وأخرى شبابية، تعاملت فيهم مع الموسيقار الكبير محمّد سلطان في أغنيتين هما “رجعنا لبعضنا”، و”أنا اللي جبتو لنفسي”، اللتان سبق وسجّلتهما في اليونان منذ 12 سنة واليوم أعدنا توزيعهما، كما سأضمّ أغنية “ما تتنسيش”، التي لحّنها لي العظيم بليغ حمدي، وتعاملت أيضاً مع الأساتذة صلاح الشرنوبي ومحمّد ضياء الدين وعمرو مصطفى الذي يتمتّع بموهبة مميزة رغم صغر سنّه. كما سأصوّر بعض الأغاني على طريقة الفيديو كليب إلاّ أنّني لم أستقرّ لغاية الآن على مخرج محدّد.

لماذا لا يوجد دعم للمطربين في سوريا في حين يلقى الممثلون كل الإهتمام والرعاية؟
لأنّنا لا نملك نقابة فنانين موسيقيين ولا حقوق محفوظة للأغنيات، لذا من الممكن أن أخوض هذا المجال وأترشّح للإنتخابات النقابية لأنّنا كمطربين مقهورون و”مش آخذين حقنا متل الممثلين” وأتمنى أن تتواجد شركات إنتاج لتتبنّى الأصوات الجميلة لدينا، أمنية حياتي إفتتاح دار لتعليم أصول الغناء لكل صاحب موهبة.

ظلمت نفسي عندما تزوجت ونادمة لأن اختياري كان خاطئ!
بعد تجربة زواج سابقة لم يُكتب لها النجاح، هل تفكّرين في الإرتباط مجدّداً أم اعتزلتِ الغرام (بالإذن من ماجدة الرومي)؟
عندما يأتي الشخص المناسب، بالتأكيد سأرتبط من جديد وسأعلن قصّة حبّي على الملأ. في السابق كنت أحبّ بقلبي وأنجرف وراء عواطفي وأحاسيسي، أمّا اليوم بُتُّ أُحكِّم عقلي أكثر في أمور الحبّ.
فأنا من حقّي أن أحبّ كأيّ إنسانة عادية والفنان، برأيي، عندما يحبّ، يُغنّي بجماليّة لا تُوصف.
وتُتابع: أتمنى في عام 2011 أن أُحبّ ميادة الحنّاوي الإنسانة التي ظلمتها كثيراً يوم تزوّجت.

هل هذا يعني أنّك نادمة على تجربة الزواج السابقة؟
طبعاً وبدون شكّ لأنّ اختياري كان خطأ وأقرّ أنّني ظلمتُ نفسي يوم أقدمت على هذه الخطوة.
اليوم سأمنح ميادة الإنسانة كل وقتي وسأحبّها أكثر وسأركّز على فنّي بدقّة.
آمال ماهر تقلّد أم كلثوم وأنا لا أحبّ المقلّدات!

هل تؤيدين الذين يقولون أن آمال ماهر هي خليفة أم كلثوم؟
“ما حدا خليفة أم كلثوم”، فالصوت مثل البصمة لا يُقَّلد وفيه فرادة. صحيح أن آمال ماهر تملك صوتاً رائعاً إلاّ أنّها تُقلِّد أم كلثوم وأنا لا أُحبّ المقلِّدات، لذا أنصحها أن يكون لديها شخصيتها وهويتها الفنيّة الخاصة.

حوار: بشير شقير